Quantcast
Channel: جنس –тнє ѕυℓтαη'ѕ ѕєαℓ
Viewing all 44 articles
Browse latest View live

أمينة جاد: طريق الخوف

$
0
0

Antoine d’ Agata, Nijni Novgorod, Russia, 2002. Source: magnumphotos.com

كان عليّ أن أكون أكثر حذرًا
وأنا أفكر في شيء آخر
عدا قضيبه المغروس في فمي
كان رفُّ الحلويات أمامي
ولوهلة، فقدت تركيزي
حين أردت اختيار حلوى واحدة
قذف في فمي

عندما ظن أنني عضضته
أمسك سكينه
ورسم بحدة
خطاً فوق شفتي
لم يكن ذاك
إلا طريق الخوف
ينز دمًا
ولساني يوهم نفسه
أن لذعة الدم
ولزوجة منيه
وملوحة دمعي
هو طعم تلك الحلوى
أعلى الرف الأيسر.

فقط،
كنت في السادسة
حين تهيأ لي أنني نجوت،
كنت أظنني عدت إلى ​البيت
لكني لم أعد إليه قط.

ياسر عبد اللطيف: ٢٠٠٥ أجرة القاهرة / خ. ز. ي

$
0
0

James Hooper (Taxi Meter Man). Source: hiveminer.com

عدتُ وحدي في التاكسي نفسه الذي ذهبنا فيه جماعةً، سيارة قديمة متهالكة قذرةٌ من الداخل، من النمط القديم لأجرة القاهرة بالأبيض والأسود، طراز فيات ١٢٥ المُصَنّع في بولندا الاشتراكية، تسكنها رائحة دخان العادم المتسرِّب من مكان ما في هيكلها. السائق كان على نفس الدرجة من التداعي، وإن بدا مغتبطًا راضيًا، بلحيةٍ شيباء تبلغ من العمر أربعة أيام، وملابس لم يغيرّها ربما من نفس التاريخ. 
في رحلة العودة ضاعت بوصلتي الذهنية، حين خرج السائق عن المسار المتوقع، ثم استعدت حسّي بالاتجاهات ثانيةً بعد أن مرقنا من نفق شارع مصر والسودان، فهذا هو شارع رمسيس، ونحن منطلقان في اتجاه العباسية، ثم هذا هو شارع الجيش وسينتهي بنا إلى ميدان العتبة. أعرف جيدًا أن هذه الشوارع الرئيسية معبّدة بأسفلت لا بأس بنعومته، وتلك الرجرجة العنيفة لا علاقة لها بحال الطريق، وإنما حتمًا ناجمة عن تضعضع آليات امتصاص الصدمات في بنية العربة التي تعود لسبعينات القرن الماضي. 
قبل أن نخرج من ذاك النفق. انحرف السائق يمينًا نحو منطقة “دير الملاك”، وأنا لا أعرف تلك الجهة نهائيا. فوق ذلك، كان الشارع الذي دخلنا فيه خاليًا من أعمدة الإنارة مُعتمدًا على قمر شحيح الضوء جعل البنايات على الجانبين في تلك الساعات الهادئة كُتلاً متقاربة بالكاد تظهر لها ملامح عيون نوافذ وشرفات أفواه أشباح تبتسم عن أسنان من قطع الغسيل على أحبال غير مرئية. قال السائق إن البنزين كاد أن ينفد ولا بد وأن يملأ خزّان الوقود، وهو يعرف طلمبة بنزين تقف وحدها دون محطة خلف مبنى حكومي قريب. الطُلمبة مخصّصة لسيارات وحافلات تلك المؤسسة، وهو طالما ملأ سيارته منها مجانًا. فالموظفون لا يغلقونها، وما من حارس ليلي يسهر على حمايتها. 
في منتصف نهار اليوم نفسه، كان هذا السائق هو الوحيد الذي قَبِل أن يأخذنا إلى ذلك الحيّ العشوائي، على حدود محافظة القليوبية، والذي كان مرافقيّ الإيطاليون الثلاثة يرغبون في زيارته في مهمّة عمل تخصّ الجمعية التي يعملون بها في نابولي والمتآخية مع الجمعية التي أعمل بها في الجيزة في إطار ما يعرف بـ “التشبيك بين الفاعلين عبر ضفّتي المتوسط”. شابان وفتاة يصغرونني ببضع سنوات: نيكولو وݘيوڨاني وݘينا. بالطبع ݘينا كانت هي موضوعي لا الرحلة ولا المهمة ولا جمعيتهم ولا جمعيتنا ذاتها. كنت أجلس بجوار السائق بصفتي دليلهم ومرشدهم المصري، وإن كنت لم أذهب إلى تلك النواحي قبل ذلك قطّ. شرحت للسائق الاتجاه بالتقريب وذكرت اسم الحي/القرية الذي راح من ذاكرتي تماما بينما أكتب الآن. ركب الزملاء الإيطاليون في الكنبة الخلفية، ووركبت بجوار السائق كديل حقيقي، وأخذت أسترق النظر لݘينا في المرآة وأتابع اندهاشها واتساع عينيها  وهي تتفرج من نافذة السيارة على مشاهد  الشوارع التي تتوغل في الضواحي لتغادر العمران المديني بالتدريج  لتتماهى مع الريف دون فواصل واضحة. ظهرت التُرع والحقول في مساحات متقطعة بين بيوت الطوب الأحمر العارية، وبدأنا نشم ريح الغيطان رويدًا رويدًا يمتصُّ قليلا من التلوث الميكانيكي الذي لا يفارقنا وإن فارقنا الشوارع المكتظّة بالسيارات صادرًا من أعماق سيارتنا نفسها. ما إن اعتادت ݘينا على المشهد الجديد حتى اعتدلت بجذعها في جلستها ناظرةً للأمام، وإذ تعبر عيناها فوق مرآة السيارة لمحتني أتطلع إلى وجهها والتقت عينانا لوهلة، فتبادلنا ابتسامة خفيفة أطرقت بعدها فيما يشبه الخجل.
إذ طالت رحلتنا معًا، عرفتُ السائق باسم عمّ شوقي. بدا ذاهلا بعض الشيء، ذهولا من النوع الذي يُسميه الوعي الشعبي “دروشة” لكن دون محتوى صوفي أو أولياء. درويش مستقل. قال إن الله جعل له طلمبة البنزين تلك متاحةً لأن “قلبه نظيف” فأعمى عنها مسؤولي الشركة والسائقين الآخرين. أنا معه منذ أكثر من أربع ساعات. تركنا المجموعة الإيطالية في تلك القرية. أسفر الموقع عمّا يشبه القناة موصولة بترعة الإسماعيلية  تغوص شمالًا في حقول مزروعة بالنعناع الأخضر، وعلى ضفتي تلك الترعة الصغيرة وقفت بيوت على المنحدر. بيوت تتواجه على الضفتين من مسافة قصيرة وبينهما خطّ الماء لا يتجاوز الأربعة أمتار. قال نيكولو إنه يتخيل قصصًا غرامية تنشأ بين مراهقين عبر شبابيك هذه البيوت. انتبهتُ لمواسير تخرج من أسافل البيوت تصبّ الصرف الصحي في الترعة. لم تكن البيوت موصولة بأي شبكة للمياه أو للمجاري، واعتمادها في الإيراد والصرفِ على الترعة ذاتها، في تدوير للمياه عبر أجساد الأهالي. قالت ݘينا: الطبيعة تستعملهم! زودت عليها: تستهلكهم! قال جيوفاني: ولماذا تترك الحكومة هذه المناطق هكذا؟ قلت له: من أجل هذا أُنشئت جمعيتكم وجمعيتنا… أليس كذلك؟ قال: نعم نعم لكن هذا يفوق الحدّ!
يحكي لي عم شوقي عن ركاب ثلاثة كانوا معه اليوم قبل أن نستأجره لهذا المشوار الطويل. رجل وزوجته وأمها، ركبوا من إمبابة إلى الدقي. الزوج في المقعد الأمامي والمرأتان في الخلف. طوال الطريق تعايران الرجل وتلقّحان عليه بإيحاءات “في منتهى الوساخة” قال. والرجل حسب وصفه كان يحاول دون جدوى الدفاع عن نفسه لكن هجوم المرأتين كان كاسحًا، وفي كل مرة يفتح فمه تُخرسه الأم “بس ياللي ما بتعرفش!” يحاول ثانيةً فتقول الزوجة “بس يا مرخي!” وعندما انفجر الرجل صارخًا بعد أن أُهدِرَت كرامته بما فيه الكفاية، خفتت نبرة المرأتين الهجومية وقالت الزوجة لعم شوقي تستشهد به: يرضيك يا حج داخلين على خمس سنين بننام جنب بعض زي الإخوات ومش عايز يطلقني أشوف حالي. وقال الرجل إن مرض السكر هو ما هدّ كيانه، وقد أصابه من عمايل الولية ذي وأمها. 
ضحك عم شوقي وقال لي : العالم انجنت!
في ضوء القمر الشاحب وصلنا إلى بناية عالية تبدو من معمار الستينات الحكومي، برج كامل الاستطالة كعلبة كبريت ضخمة من نحو عشرة طوابق بشبابيك صغيرة ، وقرأت اللافتة الكبيرة التي تساقطت بعض أحرفها: شركة الإسكندرية للتبريد. دار عم شوقي بالسيارة حول البناء وفي ظهره كانت طلمبة البنزين تقف في ظل البرج وقد رُسِمت عليها  الدوائر الحمر الثلاثة المتداخلة، شعار شركة التعاون للبترول وتحتها كتب رقم ٨٠. أوقف عمّ شوقي السيارة فترجرجت كرجل مسنّ من عمر عمّ شوقي يسعل حتى همد محركها تمامًا. 
نظر لي عم شوقي نظرة تواطؤ، ليؤكد أنني صرتُ شريكه في تلك الجريمة الصغيرة. وقال بابتسامة: “ده بنزين حكومة… يعني قطاع عام… من الشعب وإلى الشعب.” وأطفأ سيجارته الأبدية، ونزل من السيارة استعدادًا للمغامرة. وبعد أن ذهب نحو الطلمبة عاد سريعًا ليقول لي من النافذة المفتوحة بجوار مقعد السائق، وقد وقف مستندًا إلى بابها بعد أن أشعل سيجارة جديدة: “ولاد القحبة خالعين البِك بتاع الخرطوم علشان ما نعرفش نموِّن، بس أنا عارف هو فين وهأجيبه.”  لأول وهلة تساءلت ما هو بِك الخرطوم؟ كنتُ أعرف أنّ في موتور أي سيارة قطعةٌ تسمى “بِك السلانسيه” وهو صمام يعمل على تزويد المحرك بالوقود ليظل دائرًا والسيارة متوقفة حين تفكّ تعشيق التروس. ولا بد أن ذلك الصمام يشبه في شكله منقار الطائر فأخذ اسمه من بِك التي يعني مُنقارًا باللغة الفرنسية وبيك بالإنجليزية، إذن فـ”بِك الخرطوم” هو الطرف المعدني الذي يدخل في خزان وقود السيارة وينسكب منه البنزين داخلها عن طريق المضخة، مُنقار الخرطوم. والخرطوم لغويًا هو الأنف أو  مقدمته. منقار الأنف… كلّ هذه العمليات اللغوية والقياسات تمت في ذهني في أقل من ثانية، فقد أدركت ما يعنيه عم شوقي ببك الخرطوم دون أن أكون سمعت هذه التركيبة من قبل. “ممكن الموبايل بتاعك يا باشا؟” طلب مني عم شوقي هاتفي فسألته إن كان يريد أن أتصل له بأحد الأرقام. فقال إنّه فقط يريد استخدامه ككشاف ضوء حتى يجيء بـ “بك الخرطوم” من غرفة  في الجراج يخمِّن أنّهم يخبئونه فيها. أعطيته الهاتف مُطمْئنًا نفسي أنّه لن يسرقه طالما أنا جالس في سيارته ذاتها، وإن بدا هاتفي المتواضع أثمن من سيارته التي نكحها الزمن. وما إن اختفي عن ناظري في الظلمات التي تكتنف ظهر المبنى حتى انتابني قلق من إطلاعه على محتويات الهاتف: الصور والمحادثات المحفوظة عليه. يبدو شوقي معدوم الصلة بالتكنولوجيا فلن يستطيع الوصول لتلك المعلومات، و حتى لو وصل لها فما الضرر؟ ضبطتُ نفسي مُنساقًا في تيار الحمقى العالمي الذي يُضفي أهمية دينية على أتفه المعلومات الشخصية! لكن دقائق طوالاً مرّت ولم يظهر له أثر، فعاد قلقي مرة أخرى متعاظمًا. وأحسست أنني صرت بصدد جريمة حقيقية، لا مجرد لهو أولاد يسرقون البنزين، وأن اختفاءه طوال هذه الدقائق يخفي أمرًا مخيفًا… 

بعد يومين كنت أجلس مع ݘينا في البار بسطح ذلك الفندق المتواضع بشارع عبد الحميد سعيد في وسط البلد. نجحتُ في استلالها من بين زميليها نيكولو وجيوفاني، والأهم، من بين براثن مديري في الجمعية ومؤسسها الذي حاول إغراءها بالأسلوب الطفولي لمُحدِث النعم، بسيارته الجيب شيروكي وشقته الفخمة حيث أقام حفلًا على شرفهم في الليلة السابقة، ودُعيت انا للمرة الأخيرة إلى منزل طارق الصافي، مديري، الذي سأصفه منذ اللحظة بـ”السابق”.
سطح الفندق شرفة متسعة تطل على حواري وممرات المنطقة المحصورة بين شارعي طلعت حرب وشامليون. أرضية الشرفة مفروشة بموكيت أخضر أشبه بالنجيل الصناعي. جلسنا إلى طاولة ملاصقة للسور. والمكان مزدحم طاولاته مشغولة في معظمها. كانت هناك مغنية تُسلي الزبائن في الشرفة بأغنيات محمد فوزي بصحبة عازف كمان. كانا قريبين من موقعنا عند طرف الشرفة، يقفان تحت مصباح مُسلّط عليهما، وفيما يتحركان اندماجًا مع اللحن جيئةً وذهابًا، يراوغان حزمة الضوء القوية الساقطة عليهما ليسكنا الظلال لوهلة ثم يعودان للضوء من جديد. العازف بارع وموسيقى فوزي جميلة، والمرأة صوتها جيّد لكنّها تخطئ في كلمات الأغنية “يا ساكن في الهوى قلب وساكن في الديار جاري…” كانت تقولها “وساكن في الديار داري”. شقراء تبدو “بنت عز” جار عليها الزمن، ترتدي فستانًا أنيقا من القطيفة السوداء كبذلة زميلها العازف. ولكن بعودتهما لحزمة الضوء يبدو جليًا اهتراء الفستان والبذلة وبلاؤهما. قلتُ: ربما يراوغان الظلال للحفاظ على المظهر الأنيق في رحابها الساتر. ثم كانت الوصلة الثانية “أول ما الحلوة فتحت شباكها… فتحت باب قلبي للشوق طوالي” أصاب الشباب المتواجدين حالة من الطرب مع ذلك اللحن الذي أدّته ببراعة لا غبار عليها، حتى الأجانب القلائل المتواجدون في البار، كانوا يتراقصون على مقاعدهم. ولمحتُ عينيّ ݘينا تبرق وتبتسم انتشاءً بالأغنية. “ليه بس يا قلبي تبص لفوق تبص لفوق… الشوق الشوق دوبني…” كانت تلك قفلةٌ جيدة استحقت تصفيق كلّ من في الشرفة، ووجدها العازف فرصةً سانحة ليفتح صندوق الكمان ويضعه على الطاولة المجاورة لهما يدعو الجالسين لـ”تنقيطهما”. كان صندوق الآلة الموسيقية المفتوح رمزًا عالميًا فهمته ݘينا وأخذت تبحث في حقيبة يدها عن أي نقود، فعثرت على ورقة من فئة العشرة يورو وذهبت وضعتها في صندوق الكمان بابتسامة سحرت المغنية قبل العازف. وكان ذلك مبلغًا يفوق أي “نقطة” وضعها الزبائن الآخرون الذين أخذوا يرمون في الصندوق أوراق الخمسات والعشرات المصرية، فاليورو بثمانية جُنيهات مما تعدون.

المكان: مسرح شقة طارق الصافي مديري السابق وزميلي الأسبق بالجامعة.
الزمن: الأمس مساءً.
الشخوص: أنا وݘينا وطارق.
وصلت مبكرًا، ولم يكن هناك سوى طارق وثلاث نساء لا أعرفهن. دعاني طارق بلطف لأن أشرب شيئًا، فاتجهت إلى طاولة جانبية وُضِعَت عليها زجاجات متنوعة، صببت كأسًا من الويسكي مع قطعتي ثلج وجلست على إحدى الأرائك أرتشف منه حتى بدأ المدعوون في التوافد والتوزع  في أرجاء الشقة الواسعة. كان أكثرهم من مجال العمل التنموي مع أشخاص آخرين من مناحٍ مختلفة. وتغير نوع الموسيقى من الجاز الهادئ الذي كان في الخلفية لحظة وصولي إلى مهرجانات شعبية في صخب تزايد تدريجيًا داخل الشقة كطنين جمهور المسرح قبل رفع الستار. وعند وصول الثلاثي الإيطالي أُطفئت الأنوار في الصالة وذاب نيكولو وجيوفاني في الجمهور ليرتفع الستار عن ݘينا بحزمة ضوء مسلّطة عليها حصريًا، تقترب من الأريكة التي أجلس عليها، فأقوم لتحيتها وتجلس هي على المقعد المجاور لأريكتي يشكل معها زاوية قائمةً. ترتدي تنورة زرقاء قصيرة تظهر ساقيها الجميلتين. وتقاربت ركبتانا في جلستينا. وأخذت تحكي لي عن مغامرتها بالأمس بعد أن تركتهم في تلك القرية على الترعة، وعن الصور التي التقطتها، وحالات الأمراض من جرّاء تلوّث المياه التي وثّقتها. كان طالب جامعي من هناك قد ظهر لنا بعد وصولنا بفترة قصيرة، ولدى اكتشافنا أنّه يحسن الإنجليزية قررت أنا تركهم هناك يعملون، والعودة مع عم شوقي. وتعهّد الجامعي بأن  يقوم لهم بدور الدليل في القرية، وقال إنه سيطلب لهم ميكروباصًا مكيفًّا يملكه أحد أقاربه ليعود بهم إلى الجيزة، وهو ما استحسنه ثلاثتهم رغبةً في الفرار من سيارة عم شوقي ودخّانها.
قالت ݘينا إن الشاب قادهم إلى بيوت يعرف مدى تضرر أهلها من مشكلة المياه في القرية التي تبعد كيلومترات قليلة عن مراكز حضرية ضخمة. وقالت إن بعض الأهالي اهتاجوا عليهم والتمَّت مجموعة من الملتحين كادوا أن يفتكوا بالشاب الجامعي، وظنّوا أنّهم جواسيس أو صحفيون أجانب يريدون التشهير بهم في الخارج، ولم يهدأ الجمع إلا بعد أن أثبت لهم نيكولو بالأوراق أنّهم جاءوا لمساعدة الأهالي في حلّ جذري لمشكلة المياه، وأنّهم يفعلون ذلك في مناطق مختلفة من العالم. وفرّجهم على صور لمناطق وحالات مماثلة من بلاد مختلفة، من أعمال جمعيتهم، وأطلعهم أيضًا على صور للنتائج التي تحقّقت بعد تدخلاتهم وإشراك المجتمع المدني مع الحكومات في عمليات ترميم البنى التحتية لشبكات المياه والصرف، أو إنشائها من العدم.
كانت ݘينا تتكلم بتلك اللغة السائدة في أدبيات ما يسمى بمنظّمات المجتمع المدني، لكنني كنت أُصدقها على لسانها، وأراها خاويةً بلا مضمون على لسان زملائنا في المجال، أو هي ربما الترجمة العربية السيئة لهذه المصطلحات جعلتها بلا معنى تُشير لخواء العملية كلّها. كنتُ أتابعها تحكي شغوفةً، وتفرّجني على الصور التي التقطتها بتليفونها للحالات التي وثقتها هناك لأثر تلوّث المياه على صحة الأهالي: نساء ورجال مُسنون وقد تورّمت سيقانهم وازرق لونُها من أمراض الكُلى، أطفال مصابون بالاستسقاء انتفخت بطونهم بماء تعطّل الكبد، وضروب مختلفة من البؤس والهُزال. أعرف أني تحججت بالأمس كي أهرب من رؤية تلك المناظر التي كنتُ أعرف بوجودها، وأنساها. يُفترض أن يكون عملُنا الأساسي على الأرض كعمل الجمعية الإيطالية. لكننا نكتفي بالأبحاث التي ننقل بياناتها من على الانترنت، وبإقامة ورشات العمل لتدريب باحثين شباب على العمل البحثي المكتبي واستخراج البيانات من على الانترنت، ومن ثم عقد ندوات ومؤتمرات لترديد توصيات منظمات الأمم الأمم المتحدة المختلفة، والأهم تعليمات البنك الدولي، فتظهر أوجه الإنفاق شفافةً مستوفية كل البنود التي تم إدراجها في تقرير الميزانية المقدّم للجهات المانحة! كنتُ أشعر بالخزي من تلك المناظر التي صورتها، كأنّها عورتي انكشفت في محفل برجوازي، كمن وجد نفسه حافي القدمين يسير في شوارع أحد الأحلام. وخزي مضاعف من تقاعسنا المهني الذي كشفه نشاط هذه الجمعية الإيطالية المتآخية مع جمعيتنا تحت الشعار ذاته: الحق في المياه!  لحظتها دخل إلى المشهد طارق الصافي يحمل كأسًا من النبيذ الأحمر وقد تسلّطت عليه حزمة الضوء ليجلس على مسند مقعدي بابتسامة صفراء ويقول موجهًا حديثه لي بالإنجليزية كي يشرك ݘينا في تهكمه:
  • السيد كافكا عميد الاكتئاب العربي جالس يشرب ويسكي سينجل مولت ويضحك، يا للهول!
رددت عليه بالعربيه:
  • الويسكي السينجل مولت من خيرات السيد المناضل ليون تروتسكي اللي بقى ينشر توصيات البنك الدولي من باب الثورة الدائمة!
 ووضعت كأس الويسكي جانبًا وغادرت المكان، أمام ذهول عينيّ ݘينا التي لم تفهم لماذا توتر الجو ولماذا غادرتُ فجأةً. وسط تصفيق حار من جمهور وهمي! لم يكن بالطبع باقي المدعوين قد انتبهوا لهذا الحوار السريع والقاطع على خشبة مسرح ذلك الركن من الغرفة بالأريكة والمقعد الوثير المجاور لها.
وأعترف أنني جبان، لم أقطع مع طارق ومؤسسته على الرغم من وقوفي على عبث العملية كلها، إلا عندما طالني تهكمه الشخصي أمام ݘينا كقشّة قصمت ظهر فيل أفريقي عوضًا عن بعير عربي أعجف. طارق زميلي القديم في الجامعة، المناضل التروتسكي ابن حي أبو قتادة، رأيته كيف يصعد اجتماعيًا على سلم العمل الأهلي لشقة على نيل الزمالك وسيارة ضخمة سعرها يصل لنصف مليون من الجنيهات، ورضيت أن أتوظّف مُترجمًا ومنسقًا للبرامج في جمعيته، مكتفيًا بمرتب يعصمني من المواصلات العامة والميكروباصات ويسمح لي بالتنقل بسيارات الأجرة، وببعض السفريات هنا وهناك لنحضر مؤتمرات يُكرر فيها نفس الكلام الذي تردد مسبقًا في ندوات ومؤتمرات نظمناها لدينا، وفي حضور ممثلين لهيئات كبرى في الاتحاد الأوروبي ومنظمة الاتحاد من أجل المتوسط ومنظمة الفرانكفونية وهيئة الأمم المتحدة، والبنك الدولي طبعًا، يهزون رؤوسهم في حضرة التمثيلية الإنسانية الكبيرة، موقنين تمامًا أنّها الأجندة السياسية التي تدفع كلّ شيء. نعم كُنت جبانًا، أنقذني مرتب طارق الصافي لسنوات من جحيم العمل في الصحافة المحتضرة بتراب الفلوس. والآن أخرج إلى الشارع لتنتهي علاقتي بهذا العالم. شعرتُ بخفة كنت أفتقدها منذ زمن طويل. عدت إلى البيت ونمت نومًا عميقًا حتى ظهر اليوم. أفقت على مكالمة من ݘينا تستفسر عمّا حدث بالأمس، ليظهر لي أمل في هذا الفراغ المتخلّف عن ليلة البارحة. وها أنا أجلس معها في شرفة فندق الأوديون بشارع عبد الحميد سعيد في وسط البلد.
كانت المطربة والعازف في فترة استراحة. أغلق الرجل صندوق الكمان على النقوط الذي جمعاه واختفي داخل الفندق، بينما جلست المطربة وحدها على الطاولة وقد جاءها الجرسون بكوب طويل من مشروب أصفر ساخن رجَّحتُ أنه الينسون. 
كانت ݘينا تتكلم عن الموسيقى التي سمعتها منذ قليل. قالت إنّها ساحرة لم تسمع مثلها من قبل، وإن كانت تعرف الموسيقى الشرقية قليلا. قلتُ لها إن كلّ البرنامج الذي قدمته تلك السيدة وعازف الكمان معها هو لمطرب وموسيقي واحد من القرن الماضي. ضحكت وقالت إنّها هي نفسها تنتمي للقرن الماضي. حكيت لها عن محمد فوزي، وعن خفّته وتفرّده ووفاته المبكرة، فأثنت هي على العازف أيضًا، وقالت إنّه بارع  وإن المطربة أيضًا رائعة، وقد نقلا روح تلك الأغاني من “القرن الماضي” كما لو كانت أغاني اليوم! رفعت يديها في الهواء واصطنعت حركةً بأصابعها وهي تقول “القرن الماضي” للدلالة على وضع التعبير بين قوسين. وشعرت أنا بما يشبه الفخر، وكأن هذه الموسيقى تنتمي لي، وكأنني محمد فوزي نفسه، فخر وطني يعادل خزي العاهات الصحية ومظاهر الفقر المدقع التي رأيتُها بعيون ݘينا في الليلة الماضية.
استشعرتْ المطربة من على طاولتها القريبة أن الكلام دائرٌ عليها، فرمتنا بابتسامة، رددنا بمثلها، فحملت كوب الينسون وجاءت نحونا. قالت: هالو! فدعوناها للجلوس معنا. من قرب بدا واضحًا أنهّا تجاوزت الخمسين وتخطو نحو سن التقاعد، وإن بدت متماسكةً تحمل آثار جمال برجوازي صامد على الرغم من قطيفة فستانها المنحولة. بدت منجذبةً لݘينا وابتسامتها الحلوة، وسرت بينهما موجة من التعاطف الأنثوي العابر للثقافات. قدمَتْ نفسها باسم “نيرمين” وصدقتهُا؛ كان الاسم لائقًا على هيئتها وعمرها، مع افتراض الأصول البرجوازية التي خمنتُها. وقد صدق ظني؛ إذ أدارت حوارها معنا بإنجليزية طلقة وبلكنةٍ أفضل كثيرًا من لكنتي ومن لكنة ݘينا الإيطالية. سألتُها عن سرّ إنجليزيتها الممتازة، فقالت إنّها درست في المدرسة البريطانية في الزمالك ثم في الجامعة الأمريكية. سألتها ݘينا إن كانت قد درست الموسيقى في الجامعة، فقالت إنّ تخصصها الكبير في الجامعة كان علم النفس، لكنّها كوّنت مع بعض زملائها فرقةً تقدم أغاني الروك الإنجليزي، في حفلات الطلبة شتاءً وعلى شواطئ العجمي والمنتزه صيفًا. وكان لهم جمهور لا بأس به بين الشباب وقتها، في بدايات الثمانينات. سألتها ݘينا عن الفرقة وماذا كان مصيرها؟ قالت نيرمين إنّ اثنين من أفرادها قد هاجرا من مصر بعد تخرّجهما في الجامعة، ومن بقوا صاروا الآن مهندسين ورجال أعمال كباراً يتجاهلوها إن قابلوها بالصدفة في أي مكان. وقالت وقد انخفض صوتها متلونًا بالأسى إنّها لم تحصل على البكالوريوس واضطرت إلى ترك الجامعة في السنة الأخيرة لظروف قاسية ألمَّت بها.
شردتُ عنهما قليلا متخيّلا تلك الظروف، وفي ثوان رسمتُ عدة سيناريوهات مأسوية: القبض على عائل الأسرة في قضية كبيرة متعلقة بالتجارة تعجز بعدها نيرمين عن دفع مصروفات الجامعة الأمريكية الباهظة فتنزل إلى سوق العمل دون فرقتها القديمة وتضطر إلى الغناء في البارات هكذا… إدمان مطربة الفرقة للهيروين ومن ثم انحدار دراسي وانفصال عن العائلة يليه انحدار اجتماعي… علاقة مع وغد تحمل منه ويختفي فتهرب بفعلتها وتضع طفلةً تسميها “هبة الله” صارت الآن شابة كبيرة تدخن بشراهة وتقبع في انتظار أمها في شقة صغيرة بشارع فيصل… سيناريوهات أفلام مصرية تليق بزمن الثمانينيات الذي تحيل إليه تلك المسكينة. كان شرودي عنهما قد أعطى لنيرمين فرصة تحويل حديثها إلى مناجاة نسائية محضة مع ݘينا. انخفض صوتها، واتخذت ملامح ݘينا سمتًا جادًا بينما تنصت لها. يبدو أن نيرمين كانت تريد أن تجد اُذنًا عابرة تبثها هموم “المغنية المغمورة”، وݘينا تملك وجهًا مريحًا وعينين بنيتين واسعتين تدعوانك للبقاء أطول فترة ممكنة تحت نورهما. وعلى غير عادتي، لم  يعمد خيالي الشيطاني إلى تفسير انجذاب نيرمين لها بالرغبة الجنسية.  وفي تلك الأثناء كان عازف الكمان قد عاد إلى الشرفة وفتح صندوق آلته وبدأ يدوزنها ما أشار إلى انتهاء فترة الاستراحة واستعداده للوصلة القادمة. لمحتُ نيرمين تشير إليه بطرفٍ خفي بينما تواصل حديثها الهامس مع ݘينا، واستطعت أن أسمعها تقول “يريدُ أن يتزوّجني وهو متزوج من ثلاث أخريات، ويقول إنّه اتفق مع متعهّد حفلات في دبي على أن يكوّن أوركسترا صغير كلّه من فتيات عازفات يسافر بهن إلى هناك، ونظرًا لعمري الكبير لن يستطيع أن يحصل لي على التأشيرة إلا بصفتي زوجة له، وساعتها أستطيع أن أسافر معهم”. 
كان قد أمسك بالكمان وابتدأ يدندن سيرينادة “يا اللي شغلتي القلب تعالي” ، ويومئ لنيرمين بذقنه المستندة على خدّ الكمان لتلحق به تحت حزمة الضوء التي تفضح رثاثة بذلته. وضعت نيرمين كوب اليونسون الطويل وهمّت لتلحق بـ”زميلها”، وشّدت ݘينا على يدها شدّة مآزرة وتابعتْها حتى بلغت موضع الغناء ثم التفتت إليَّ لتجد عينيّ في انتظار عينيها. سألتني بانزعاج: “هل فهمتَ الذي يعنيه كلام نيرمين؟!”

طال انتظاري كأنّه دهر داخل تلك العربة المُحطمة، فلم أعرف كم مضى فعليا منذ غادر سائقها بحجّة البحث عن “بِك الخرطوم” وإذ أخذ هاتفي معه لم يكن معي شيء أستدل به على الوقت. كنتُ متوترًا من وجودي غير المبرر ليلًا في فناء شركة حكومية ما ضاعف من إحساسي بثقل الدقائق. وما من  شيء أتشاغل به عن قلقي، بل كانت كلّ التفاصيل المحيطة تزيده اشتعالًا: الروائح الثقيلة لزيوت المحركات والوقود في هواء أغسطس الراكد، وضوء القمر الذي يزيد عتمة المكان غموضًا ووحشة هياكل السيارات والحافلات النائمة، وفي المواجهة بوّابات الجراج فاغرة أسفل البناية تبدو منها الظهور البيضاء لسيارات أخرى تابعة للشركة، دخل عمّ شوقي من تلك البوابات واختفى في ظلمة المبنى. فكرتُ أن أترك السيارة وأغادر المكان برمته مضحيًا بهاتفي، لكنني لا أستطيع تحديد موقعي بدقة من أقرب نقطة أعرفها. ضائع فعليًا في لاوعي المدينة. ولزمتني دقائق أخرى طوال حتى أستجمع شجاعتي وأنزل من العربة لأبحث عن عمّ شوقي. انتبهت إلى وجود طلمبة وقود أخرى مجاورة للأولى وقد كُتب عليها “سولار” فوق علامة شركة التعاون الثلاثية. وكان على الأرض مجرى رفيع مغطى بشبك حديدي لتصريف السوائل والزيوت كتلك المجاري في محطات الوقود. يمتد أحدها طولياً حتى بوابات الجراج.  سرتُ متحسسًا موضع قدمي تجنبًا للشحوم الزلقة على الأرضية. ودخلت في ظلام شبه تام بين صفوف السيارات البيضاء وأعمدة خرسانية عريضة تحمل سقف الجراج والمبنى برمتة، خلف أثر لضوء يبدو في العمق إلى اليمين قليلًا. وكان ثمة صوت يتناهى إلىّ ضعيفًا كأنه بقبقبة مياه أو سائل ما. وفي نهاية مساحة الجراج الواسعة كان هناك دهليز ينحرف يمينًا  ومنه يترامى بصيص الضوء. قلتُ بصوت يتحاشى لفت الانتباه أكثر من حرصه على النداء: “عم شوقييي!” ليأتيني من بعيد صوت سُعال وما يشبه الضحك المكتوم. انتهى الدهليز إلى غرفة فسيحة ذات ضوء كابٍ لا يوجد بها سوى مكتب صفيحي قديم من طراز “إيديال” الحكومي، وفي أقصي اليسار كان عم شوقي جالسًا مع رجل آخر كأنّه موظف بالمكان، بينهما شيشة يسحب منها أنفاسًا ويسعل سعلات متتالية. قال شوقي بين سعاله: “شرّفت يا أستاذ… منتظرينك بقى لنا نص ساعة”. وانفجر كلاهما في الضحك.

ثلاث قصائد لأوشان فونغ ترجمة يوسف رخا

$
0
0

Ocean Vuong. Source: asitoughttobe.wordpress.com

هايبون المهاجر

 

الطريق التي تقودني إليك آمنة
حتى وإن صَبّت في المحيطات
– إدمون جابيس
ثُم، وكأنّه يتنفس، انتفخ البحر من تحتنا. إذا كان ولابد أن تَعرف أي شيء، اعرف أنّ أصعب مُهمة هي أن ​تعيش مرة واحدة. أنّ امرأةً على سفينة غارقة تُصبح قارب نجاة – مهما كان جِلْدها ناعماً. بينما أنا نائم، أَحرَق كمنجته الأخيرة لتبقى قدماي دافئتين. رقد إلى جانبي ووضع كلمة على قفاي، ذابت فإذا هي قطرة ويسكي. صَدَأٌ ذهبيٌ بامتداد ظهري. لنا شهور مُبحِرون. الملح في عِباراتنا. مبحرون ولا أثر لحافة العالم.
*
حين تركناها، كانت المدينة لا تزال تُدخِّن. وخلاف ذلك صباح ربيعي خالص. شَهَقَتْ سُنْبُلات بيض وسط حشيش السِفارة. كانت السماء زرقاء بلون سبتمبر والحمام يَلقط فُتات خُبز المَخبَز المقصوف. باكيتات مُكَسّرة. كرواسون معصور. سيارات خارجةٌ أحشاؤها. لُعبة الأحصنة الدوارة وقد تفحّم خيلها. قال إنّ ظِلّ الصواريخ وهو يَكبَر على الرصيف كأنّه الله يلعب بيانو في الهواء من فوقنا. قال: كم أحتاج أن أحكي لك.
*
نجوم. أو لعلّها مصارفُ للسماء تَنتظر. ثقوب صغيرة. قرون صغيرة تنفتح فقط بما يكفي لنَنسَلّ عَبرَها. سَاطور تُرِك على سَطح المَركِب ليَجِف. ظَهري إليه. قدماي في الدوّامات. ينحني جواري ونَفَسَه أحوال جويّة ضلّت طريقها. أدعه يَسكب حفنة من ماء البحر في شَعري ثم يَعصِره لتخرج أصغر لالئ – لكِ وحدكِ فأفتح عيني. وجهه بين كَفّي مُبتلٌّ كجُرح. ”إذا تمكنّا من بلوغ الشاطئ – هكذا يقول – ”سأُسمّي ابننا على اسم هذه المياه. سأتعلّم كيف أُحب وَحشاً. يبتسم. حيث يجب أن تكون شفتاه شَرْطة واصِلة بين كلمتين. ثمّة نوارس فوقَنا. ثمة أيادي ترفّ بين الكواكب، تحاول أن تَصمُد.
*
ينقشع الضباب فنرى. غاب الأفق فجأة. لمعة زبرجدية تؤدّي إلى مُنخَفَض حادّ. إنها صافية ورحيمة كما أرادها بالضبط. كما في الحواديت بالضبط. الحدوتة التي ينغلق فيها الكتاب ويتحوّل إلى ضحكات في حِجْرنا. أَشُدّ الصاري لأَنشُر الشِراع عن آخره. يُلقي باسمي في الهواء. أشاهد المقاطع الصوتيّة تتفتّت إلى حصاة على سطح المركب.
*
صرخة هائلة. البحر يَنشقّ فوق صَدْر المركب. ينفتح وهو يُشاهده مثل لِصّ يُحدّق في مُحتوى قلبه: كل تلك العِظام والأخشاب المُتَشَقِّقَة. تعلو الأمواج على الجانبين. المركب محشور في حيطان سائلة. ”انظري – يقول – ”أراه الآن! يتقافز إلى أعلى وأسفل. يقبّل ظَهر رُسغي وهو يَقبض على الدفّة. يضحك لكن عينيه تكشفانه. يضحك مع أنه يعلم أنه أفسد كل ما هو جميلا فقط ليُثبت أن الجَمال لا يقوى على تغييره. لكنْ ما هي الصدمة الأكبر؟ أنّ هناك سِدَادَةً حيث يجب أن يكون الغروب. كانت دائماً هناك. هناك سفينة مصنوعة من أعواد الخِلّة والغِراء. هناك سفينة داخل وجاجة نبيذ على الرَفّ وسط حفل عيد الميلاد، والبيض بالحليب يندلق من الأكواب البلاستك الحمراء. لكننا نواصل إبحارنا على كل حال. عريس وعروس كما على رأس كعكة العُرس محشوران في زجاج. الجميع يَصيحون ويُغنّون وهو لا يعرف إن كانت الأُغنية لأجْله – أم لأجل حُجُرات مشتعلة بالحريق حَسِبها طفولته. الجميع يرقصون بينما رجل وامرأة متناهيا الصِغَر محبوسان داخل زجاجة خضراء، يفكّران أن شخصاً ما ينتظرهما في نهاية حياتهما ليقول لهما أنتما! ما كان عليكما أن تبتعدا كل هذه المسافة. لماذا ابتعدتما كل هذه المسافة؟ كما يقرع العالم مضرب بيسبول بالضبط.
*
إذا كان ولابد أن تَعرف أي شيء، اعرف أنك وُلدت لأنّ لا أحد كان آتياً. تأرجحتْ السفينة وأنتَ تَنتفخ داخلي: صدى الحُبّ متجمّداً على هيئة صَبيّ. أحياناً أُحس أنني حَرْف عَطف كهذا & وأصحو مترقّبة ضربةً تسحقني. لعل الجسد هو السؤال الوحيد الذي لا يمكن أن تطفئه إجابة. كم قُبلةً سَحَقْناها على شِفاهنا ونحن نصلي – ولم نحظَ إلا بلملمة الأشلاء؟ إذا كان ولابد أن تعرف، فأضل طريقة لتفهم رجلاً هي أن تفهمه بأسنانك. مرّة ابتلعتُ المطر عبر عاصفة رعدية خضراء بكاملها. الساعات مستلقية على ظهري، وبُنُوتتي على مصرعيها. الحشيش من تحتي في كل مكان. كم كان حلواً ذلك المطر. شيء يعيش ليسقط لا يمكن إلا أن يكون حلواً. المياه وقد بُريت حتى صارت قَصداً، والقصد حتى صار غذاء. يُمكن للجميع أن ينسونا – طالما تتذكّر أنتَ.
*
صيفً دماغيّ.
يَفتح الله عينه الأخرى:
قَمَران في البُحيرة.

ذات يوم سأُحِب أوشان فونغ

 

عن فرانك أوهارا، عن روجر ريفز
لا تَخَفْ يا أوشان. نهايةُ الطريق بعيدة لدرجةِ أننا تخطّيناها سَلَفاً. لا تقلق. أبوك هو أبوك فقط حتى ينسى أحدكما. كالعمود الفَقْري لا يتذكّر جَنَاحَيه مهما قَبّلَتْ رُكَبُنا الرصيف. أوشان، هل تسمعُني؟ أجمَل جزء في جسدك هو ذلك الذي يكسوه ظِلّ أمكَ. ها هو البيت مع طفولتك المَبْريّة إلى قطعة حَمراء من سِلك تتعثّر فيه القَدَم إذا خَطَتْ. لا تقلق. فقط سَمِّه الأفق ولن تَبلُغَه أبداً. ها هو نهارك. اقفزْ. أَحلِف لكَ أنه ليس قارِب نجاة. ها هو الرَجُل بذراعين تتسعان لرحيلك. وها، قُبَيل انطفاء الأضواء، لحظةَ تَلمح مِشعلاً بين ساقيه. هاكَ تهتدي به مرة بعد مرة لتَعثُر على يديك. طَلَبتَ فرصة ثانية وأُعطِيتَ فَمَاً تُفرِغ فيه ما عندك. لا تخف، ليس إطلاق النار سوى جَلَبة ناسٍ تحاول أن تعيش أطول قليلاً. أوشان. قُم يا أوشان. أجمل جزء في جسدك هو ذلك الذي يتّجه جسدك إليه. وتذكّر، الوَحدة أيضاً وقتٌ تُمضِيه مع العالم. ها هي الغرفة المملوءة بالجميع. أصدقاؤك الموتى يمرون خلالَك مثل الريح خلال أجراس الزينة. ها هو مَكْتَب برِجْلٍ عَرجاء وطوبة تُبقيه صالِحاً. نعم، ها هي غرفة دافئة وقريبة إلى الدم، أحلف لك – ستصحو وتظن حيطانها بَشَرَة.

فاتنون لوَهْلَة على هذه الأرض

 

ي
قل لي إنه لأجْل الجوع
لا أقلّ. لأنّ الجوع هو أنْ نُعطي
الجَسَد ما يَعلَم
أنه لا يستطيع أن يُبقيَه. هذا الضوء الكهرماني
الذي شَحَذتْه حَربٌ أخرى
هو كل ما يَشبِك يدي
إلى صدركَ.
ي
يا مَن تَغرق
     بين ذراعي –
ابق
يا من تدفع بجسدك
     إلى النهر
لينتهي بك الأمر
     صحبةَ نفْسكَ –
ابق.
ي
سأُخبرك كيف أننا مُخطِئون بما يَكفي ليُغفَر لنا. وذات ليلة، بعد أن صَفَع أمي
بظَهر يَده
ثم أَعمَلَ منشاراً كهربائياً في طاولة المطبخ،
كيف ركع أبي في الحمام حتى سمعنا بكاءه المكتوم عبر الحيطان.
هكذا تعلّمتُ أن الرَجُل لحظة الذُروة هو أقرب شيء إلى الاستسلام.
ي
قل: استسلام. قل: ألباستر. نَصْل بِزِرّ.
     عَسَلَة. عصا ذهب. قل: خريف.
قل خريف رغم الأخضر
     في عينيك. جمال رغم
ضوء النهار. قل إنك لِتَقتُل لأجله. فَجْرٌ لا يُكسَر
     يتصاعد في حلقك.
وأنا أتخبّط تحتك
     مثل عصفور صَعَقَه السقوط.
ي
الغَسَق: نَصل من العسل بين ظِلَّينا، يسيل.
ي
أردتُ أن أختفي ففتحت باب سيارة شخص غريب. كان مُطلّقاً. كان حياً لا يزال. كان يُنهنه في يديه (يدان طعمهما كالصدأ). “فيونكة سرطان الثدي الزَهْريّة على سلسلة مفاتيحه تتمايل في الكونتاكت. أَلَا نتلامس فقط لنُثبت أننا مازلنا هنا؟ ذات مرة كنتُ هنا. والقمر البعيد الوامض نَصَب لنفْسه شَرَكاً في قطرات العرق على رقبتي. تركتُ الضباب ينكبّ عبر الشباك المشروخ ويُغطّي أنيابي. حين غادرتُ بَقيتْ البويك جالسة في مكانها، ثوراً أصم في المرعى، وعيناها تحرقان ظِلّي على جانب منازل الضواحي. في البيت، رميت نفسي على السرير مثل شُعلة وشاهدتُ الوهج يَقضم منزل أمي حتى ظهرت السماء مُحتقِنةً بالدم وهائلة. وكم أردتُ أن أكون تلك السماء – أن أُمسك كلّ طيران وكل سقوط في نفس اللحظة.
ي
قل آمين. قل أميند (أي يُصلِح).
قل نعم. قل نعم
على كل حال.
ي
في الشاور، متعرّقاً تحت الماء البارد، حَككتُ وحَككتُ.
ي
في حياة سبقتْ هذه الحياة، كان يمكن تمييز
ما إذا كان اثنان يُحبان بعضهما
لأنهما ما إن يقودا شاحنتهما الصغيرة
فوق حز الجسر حتى تعود أجنحتهما
إلى النمو، في اللحظة الحاسمة.
أياماً أكون داخل الشاحنة لا أزال.
أياماً أواصل الانتظار.
ي
لم يفُتْ الأوان. حَوْل رأسينا هالتان
     من البَعوض والصيف أَبْكَر
من أن يَترك علامات.
     يدكَ تحت قميصي بينما تزداد
كثافة التَشوّش في الراديو.
     ويدك الأخرى تُوجِّه
مسدّس أبيك
    إلى السماء. تَسقط النجوم واحدةً
تلو أخرى في دائرة النيشان.
    هذا يعني أنني لن أكون
خائفاً طالما أننا هنا
    فعلاً. طالما أننا فعلاً أكثر مما
يحويه الجلد. أنّ جسداً
    جنب جسد
لابد وأن يصنعا حَقْلاً
    مَليئاً بالتَكّات. أنّ اسمك
هو فقط صوت ساعات
    تُضبَط متأخّرةً ساعة –
يجد الصباح
    ملابسنا في مدخل بيت أمك، مطروحة
كزنابق عُمرها أسبوع.

ولد أوشان فونغ في مدينة هو تشي منه في جنوب فيتنام سنة ١٩٨٨، وانتقل مع أمه وهو في الثانية من عمره من مخيم لاجئين في الفلبين إلى ولاية كونيكتيكات في أمريكا، حيث مَنَحتْه الأم اسم أوشان (أو محيط) وهي بصدد تعلّم اللغة الإنجليزية. تخرج ببكالريوس في أدب القرن التاسع عشر الإنجليزي من بروكلين كوليدج في نيو يورك ونَشَر قصائده في مطبوعات مرموقة مثل بويتري ماكازين والنيو يوركر والنيو يورك تايمز، كما فاز بمِنَح وجوائز متعدّدة بينها جائزي تي إس إليوت وفوروارد عام ٢٠١٧ وجائزة وايتنغ عام ٢٠١٦ وجائزة بوشكارت عام ٢٠١٤. أصدر أوشان فونغ أولى مجموعاته الكاملة تحت عنوان سماء ليلية مع جروح نافذة عام ٢٠١٦.
الهايبون هو شكل أدبي ياباني تبناه شعراء عدة في أمريكا كما تبنوا الهايكو أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهو يقوم على مزج مقاطع نثرية مع قصائد الهايكو وعادة ما يعالج رحلة قام بها الشاعر.
  

الحيوات الجنسيّة للخضروات:  لورنا كروجر ترجمة سلمان الجربوع

$
0
0

Giuseppe Arcimboldo, The Gardener, 1590. Source: Wikipedia

 

بصل
البصلة تهيم بالبصلة.
تحضن طبقاتها المتعدّدة،
قائلةً: ُأوْ، ُأوْ، ُأوْ،
كلّ صائت أقصر
من الذي قبله.
يقول البعض إنّها بلا قلب.
لا تحتاج واحدًا.
تكتنف نفسَها،
وتشعر بالكمال. بدائيّةٌ.
أولى الخضروات.
لو أنّ حوّاء قضمتها
بدل التّفاحةِ،
يالَاختلافِ
الفردوس.
طماطم
قَصَّةُ بيكسي. باحة جميلة.
وسادة حمراء. لا عجب
كلّ البندورات بنات هوى
ويضعن حُمْرَةً على حلماتهنّ.
يام
بطاطا حلوةٌ، يام،
يا لَلبهجاتِ تُخْفِيها
في معاطفها المرقّطة
ساخنةً من الفرن
تتبخّر في السلطانيّة
وعند لمسةِ
السكّينِ
الأولى
تُبْرِز
مفاتنَها البرتقاليّة
يا لَلملذّاتِ
تُفشيها
لألسنتنا
بطاطس
لا أحد يدري
ما يفعله البطاطس.
الكثير منه تحت سقف واحد.
بهدوء وتحفّظ
يقف بعضه في صفّ بعض.
يدور كلام عن زنا المحارم.
الوجوه الساهية، الساهمة،
التعابير الفارغة.
زلابية بطاطا.
فطائر بطاطا محلّاة.
غباوة بطاطا.
في الأقبية المعتمة
يحاول كلٌّ عبر صندوق البطاطس
أن يصل إلى أخيه ليضمّه
بالأذرع البيضاء النحيلة.
كوسة
يخبط الكوسةُ الخصورَ النحيلةَ
لنبتات البازلّا، يختلس النظر تحت
تنانير الفاصوليا الصفراء،
يُسوّي كتفيه ويقول لعشبة الراوَنْد:
لا متّسع إلّا لواحد منا.
لكنّه سلبيّ إلى حدّ بعيد
«بصباص» يستلقي صامتًا وساكنًا
بإهابِ سحليّةٍ مبقّع.
في الأفياء السريّة ينتشر
مثل عفن ويغمر البستان،
عيناه مفتوحتان طيلة الليل.
يقطين
اليقطينات
قهقهات البستان.
ابتسامات عريضة
تَفلق خدودَهنّ
قبل أن تحفر وجهًا
بوقت طويل.
يتدحرجن على الأرض
ممسكات بجُنُوبهنّ،
ضَحِكٌ من أعماق البطن
يتصاعد في أمواج صافقًا
صدورًا برميليّةَ التطبيل
كأنّ ماءً يصطفق في سطل.
يضحكن
الضحكةَ الأخيرة
شدّ وجذب
تناسليّ هزليّ
يضحكن مع الشمّام الذي
جُنّ في نور القمر
مندلقاتٍ كأثداء
من براعم الأرض المتفتّحة.
خرشوف
الخراشيف لا ينضون
عنهم ثيابهم أبدًا.
يلتمسون غوايةً،
زبدةً سائحةً، مسحةً
من الثوم البريّ.
بازلّا
البازلّا، لم أحبّ أيَّها قطّ.
تجعلك تعاني من الدفقة الخضراء
الحلوة في الفم. تَذكُرُ
ساعات تقشيرها على عتبات المدخل،
طنينَ الحبّات في الطاسة؟ ترشوك
أمّك بالليمونادا كي تبقيك هناك،
فاتحًا قرونَها بإبهاميك.
يجدها لسانك بظريّةً
وهو ينزلق على القُرنة.
البازلّا لا تجد ذلك مسلّيًا.
أنفقتْ كلَّ عمرها
والركبة لَصْقَ الركبة.
خيار
يختبئ الخيار
في تمويهٍ مُوْرِق،
طالعًا
من حيث لا تحتسب
مثل كاشفي عوراتهم في الحديقة.
الحقيقة
أنّ لديه وَلَعًا
شرجيّا. حَذَارِ
عندما تنحني لجنيه.
جزر
الجزر ينيك
الأرض. انتصاب
دائم، يندفع أعمقَ
في الرطوبة والظلمة.
طيلة الصيف
يحاول جاهدًا أن يُرضيَها.
هل طاب لكِ ذلكَ
هل طاب؟
ربما لأنّ الأرض لن تجيبه
يظلّ يحاول.
وبينما تتمشّين أنتِ في البستانِ
مفكّرةً: كعكة جزر،
جزر وبصل في مرقة لحم،
حلوى جزر مع صلصة كارميل،
فإنّه مهووس بالنيك
في عزّ الظهيرة.
كرنب بروكسل
كرنبات بروكسل توائم
سيامية ملتصقات عند العمود الفقري.
إن واعدت واحدةً
كان عليك أن تأخذ الكلّ إلى الموعد.
عندكِ أخت؟
سؤال يُدخلهنّ في نوبات ضحك.
يلبسن طقم البلوزات
نفسه والنظارات الشمسيّة،
من النوع العاكس
فيرين ذواتهن
ناظراتٍ إليهنّ
من السطح المستوي
لأعين بعضهنّ بعضا.
خسّ
تُنَشَّأُ لشيء واحد
ولشيء واحد فقط،
الخسّة محظيّة
في أيّام سَلَطَتِها.
تحت تنانير «الكرينولِين» الفاخرة
أقدامها الهزيلات مقيّدات.
قرنبيط
دماغ البستان الشاحبُ
يعرف الحيوات
السريّة لجميع الخضروات،
يحتفظ بخيالاتها،
بشهواتها الجنسيّة الخضراء
في فصوصه اللبّية.
بطّيخ
البطّيخة ملأى
بالأفواه والأسنان الصغيرة السوداء
تُمَصّ مصقولةً
كبلّورات نهر.
إنّها تنتظرك
لتدقّ على بابها،
تنتظر لتطبع
تحيّةً ريّا
مشغوفةً!
على شفتيك
قبلة من حلاوتها
ستعود مرارًا وتكرارًا
راغبًا في المزيد.
لوبيا قرمزيّة
شاعرة غنائيّة وخطّاطة
لوبيا قرمزيّة
تضيء كتابَ
ساعاتِ الخضار
تنقل
بأصابعها الرشيقة
ما يقوله الطماطم
للريحان،
وحبّ الهال للجزر،
والشِّبْث للنحلة المتودّدة.
بخطّ بديع
تكتب مقاطع شعريّة من بيتين
تُورّي عن عضو النبات الأنثويّ
وتُفصِح
عن يخاضيرَ شبقيّةٍ
تكاد تُرى
على الصفحات التي تُقلّبها الريح.
فجل
ثمرات الفجل يقلبن تنانيرهنّ في الريح
مثل صفّ فتيات كورال
يرمينها فوق رؤوسهنّ.
لو احترفن الغناء
لَكُنّ فرقةَ الأخوات أندروز.
لو امتهنّ مهنة
لَكُنّ ممرّضات يقدن
سياراتهنّ الرياضيّة الحمراء بعد العمل.
في كلّ ربيع تحتمل
دلالَهنّ
لأجل القرمشة بين أسنانك
لفجأةِ
المطرِ والنار
لك وحدك
قد ادّخرن الربيعَ كلّه.
ملفوف
طويلًا يعيش الملفوف وعلى مهله،
قنوع بأن يحلم في الشمس،
رأسه مدسوس، يتجاهل
مَسَّ فراشةِ الملفوفِ
الحانيَ، وبطنَ الدودةِ
المنزلقَ الناعم.
تدري أنّه جنون
لكن نبتاته تستلقي ساكنةً،
مكتفيةً بذاتها، تتخيّلها
طارحةً بيوضها
في جيوب الأرض الحالكة،
ارتقبْ ذات صباحٍ رحيلَه،
ساحبًا نفسه
إلى الجدول الواقع خلف المنزل،
شاقًّا طريقَه
برويّةٍ عظيمةٍ
إلى البحر.
Viewing all 44 articles
Browse latest View live


Latest Images